أطفال للبيع
وشروه بثمن بخس...
(عدنان المنصر)
مقال صادر بالعدد 426 من جريدة الموقف التونسية بتاريخ 9 نوفمبر 2007 وبجريدة الحياة اللندنية بتاريخ 26 جانفي 2008
أثارت قضية محاولة ترحيل أكثر من مائة طفل تشادي إلى فرنسا بدعوى أنهم من أيتام الصراع في دارفور موجة كبيرة من الاستياء في أوساط المنظمات الإنسانية الدولية وكذلك لدى كل من لم يتوقع أن تعمد منظمة تنشط في المجال الإنساني إلى محاكاة أساليب عمل منظمات الجريمة المختصة في اختطاف البشر والمتاجرة بهم.
لقد فتحت هذه القضية أبواب الجدل حول أساليب عمل المنظمات الإنسانية في إفريقيا على مصراعيها مجددا وبدا أن العمل الإنساني سيكون أكبر المتضررين. قد لا يكون الدفاع عن العمل الإنساني في هذه الظروف وفي المطلق أمرا حكيما، فالعمل الإنساني يخضع أيضا لقوانين الطبيعة والسياسة. وقد لا يكون الناشطون في هذا المجال ملائكة نسيتهم الآلهة على الأرض، غير أن ذلك ليس داعيا لإلقاء جميع الأطفال مع ماء الغسيل. ففي تشاد تنشط حوالي 80 منظمة إنسانية يقوم عدد كبير منها بجهد كبير من أجل مساعدة الشعب التشادي، والأمر ليس مقتصرا حتما على تشاد. هذا هو نوع الجدل الذي أراد إدريس ديبي أن يؤسس إليه عندما قام بإنجازه العظيم كاشفا تلك الجريمة البشعة في حق الطفولة التشادية المعذبة. كانت المسرحية ناجحة في نظر من لا يعرفون الوضع في تشاد: رئيس في فورة غضبه يهدد الجميع بأقسى التتبعات "مهما كانت جنسياتهم"، يربت على ظهور الضحايا ويغمرهم بحنان لم يخطر ببالنا أنه يملك منه شيئا. رئيس هصور يرتعد الجميع خوفا من احترامه للمؤسسات "التي يجب أن تقوم بدورها"، يضبط بالجرم المشهود بعض البيض الذين كادوا أن يحرموا وطنه من رجال الغد. المشهد مربك فعلا. فمعه تعود إلى الذاكرة أكثر الصور إيلاما: تجار الرقيق يشحنون بضاعة بشرية إلى بلاد بعيدة ليستغلوهم بعد أن ضمنوا ثمنا مجزيا. ولكن هيهات. فالعبيد تحرروا، وأصبح لهم الآن أب وزعيم يرفع لواءهم، ويضعهم تحت جناحه ويقف متحديا الجميع، بمن فيهم السادة البيض الذين اعتقدوا أن بإمكانهم إذلال شعبه الأبي.
لننظر الآن للأمر من زاوية أخرى. لو قدر لهؤلاء الأطفال أن يعيشوا بالرغم عن سوء التغذية والأوبئة والحروب وبلغوا سن الشباب، هل سيشكرون ديبي أم سيلومونه؟ أغلب الظن أنهم لن يكونوا سعداء هم وعائلاتهم. فقد حرمهم من حيث لا يدري من فرصة الانتقال إلى "الفردوس الأوروبي" بعد أن كادوا يصلون إليه لبداية حياة جديدة. سيتوجب عليهم أو على بعضهم آنذاك أن يدفعوا لوسطاء الهجرة السرية من أجل قطع نفس المسافة، وربما انتشلت جثث بعضهم في الأطلسي أو في المتوسط. سيكرهون إدريس ديبي أكثر وأكثر وسيرون أنهم كانوا عملة مقايضة سياسية تتجاوز أحلامهم الصغيرة وأنه باعهم بثمن بخس من أجل مصلحة نظامه. لينتظر أهلهم الآن وقد وقع ما وقع أن تعمل المؤسسات. سيهتم القضاء بالأمر كما كان يفعل دائما. لقد أقسم ديبي أنه لن يتدخل في عملهم. ومن يعرف ديبي يعلم أنه "الصادق الأمين" الحريص على مؤسسات دولة المؤسسات. ألم يخطب في التشاديين عند دخول قواته إلى نجامينا في ديسمبر 1990 أنه "لم يأتهم لا بالذهب ولا بالفضة وإنما بالحرية"؟
في الوقت نفسه بدأ الوسطاء، الذين فقدوا آخر ذرة حياء، يعرضون خدماتهم مستندين إلى "نجاحاتهم" السابقة، عندما شغلوا شعوبهم بقضية مشابهة للوصول إلى أهداف مشابهة. أما الأوروبيون، فلا يمكن أن نتوقع منهم أن يحترموا ذلك القضاء، وسيدخلون اللعبة ويمزجون الضغط بالترغيب مثلما يحسنون فعل ذلك دائما. أما الأطفال، يتامى دولهم وحكوماتهم، فسيعانون ويموتون طيلة حياتهم، صغارا وشبانا وكهولا، جوعا أو غرقا أو حربا أو بالإيدز،وما بدلوا تبديلا..
8 commentaires:
تحليلك رائع و أشاطرك أغلبه
غير أن تساؤلات ملحة لازالت لم تجد و لن تجد جوابا
هل فعلا كانت عملية إنسانية بخلفية تجارية ؟
و الأهم، هل كانوا سيشحنون لتبناهم عائلات دفعت ثمنهم هنا أم كما ورد في عربتايمز لبيعهم لشيوخ الإمارات لاستعمالهم في سباق الجمال ؟
هل يصل الأمر فعلا للاستغلال الجنسي أو بيع الأعضاء ؟
أم هي البقرة حين تسقط تكثر سكاكينها؟
تحياتي
لا أعتقد يا عماد أن في المسألة تجارة أعضاء أو استغلالا جنسيا. قد يكون أولئك الذين دفعوا الأموال من الفرنسيين فعلوا ذلك بعد أن قيل لهم أنها مساهمة في تكاليف العملية. كل هذا ثانوي في نظري، فهؤلاء باعهم النظام الذي يحكمهم . هل تعتقد أنها العملية الأولى؟ أنا أعتقد أنها العملية الفاشلة الأولى، وأعتقد أيضا أن مخابرات ادريس ديبي هي التي أوقعت آرش دي زويي في الفخ.المشكلة تبقى في الإستبداد الذي يضعف مناعة المجتمعات، ومن لا يحترم إنسانية شعبه لا يمكن له أن يطالب الآخرين بذلك.
لاشك ان ديبي طا غيه و مستبد وسيحاول حتما استغلال هذه العمليه سياسيا لصالحه لكن كنت اتمنى عليك ان تبحث في الجانب الاخر وهو اخطر بكثير من طغيان ديبي وهو ان الاختطاف كان من طرف من ... من طرف اب مسيحي لم يكن حتما يرى في هؤلاء الاطفال الا مشروعا لتنصير تشاد .... اختطفهم دون رافة بهم و لا باهلهم في وحشية كوحشية التدخل الفرنسي في هذه القضيه... فاي اخلاق بعد اليوم ستتشدق بها فرنسا .... هؤولاء الاطفال الذين اخططفوا كانو سيكونون مشروع حرب في شرق السودان كما في جنوبه ... والله اعلم كم من عملية اختطاف حدثت في السنوات الماضيه اذ المعروف ان البوليس اذا قبض على شحنة مخدرات واحده فيجب ان يضع في حسبانه ان تسع اخر قد مرت في الظلام
مقال رائع و تحليل جيد. أتفق معك في كل ما قلته
مقال ممتاز كالعادة أستاذ عدنان
!
أغتنم الفرصة لأشكرك على مقالاتك القيّمة بجريدة "الموقف" ولأشكرك ايضًا على هذه المدوّنة. على الأقلّ انت تنير الطريق لبعض نخبنا التي مازالت عاجزة على استغلال التكنولوجيا الحديثة والتواصل مع الشباب أينا وُجد...
أشدّ على يديك والى ان نستمتع بمقال جديد لك على صفحات "الموقف"، تحيّاتي وإحترامي
غسّان بن خليفة - صحفي
Bonjour,
Le noyau de "l'arche de Zoé" est composé de commerciaux de véhicules tou-terrain type 4x4 et de type Jeeps.(http://www.forum4x4.com)
Vous voyez bien donc,...,ces véhicules dont tous les protagonistes des guerres raffolent.
Vendre ces montures en plein désert, en plein conflit multipartite,n'est sûrement pas à des fins touristiques pour des safaris !
Alors, une action humanitaire peut toujours servir de couverture!
A noter que, au plan du droit "l'arche de Zoé" n'est qu'une association de droit français créée ad-hoc avec des complicités politiques, subventionnée par les fonds excédentaires de l'Opération Tsunami que certains organismes ont "refoulé" pour des raisons fiscales (trop d'argent).
La mention "ONG" est complètement usurpée. Zoé n'a jamais eu l'aval de l'UNICEF.
Ajoutez-y des anciens légionnaires . Vous savez,..., ces tueurs sans état d'âme, qui prétendent mettre leur savoir-faire au service de actions de charité ! .
Bref, le commun de mortels comprendra ...
Bonjour,
Le noyau de "l'arche de Zoé" est composé de commerciaux de véhicules tou-terrain type 4x4 et de type Jeeps.(http://www.forum4x4.com)
Vous voyez bien donc,...,ces véhicules dont tous les protagonistes des guerres raffolent.
Vendre ces montures en plein désert, en plein conflit multipartite,n'est sûrement pas à des fins touristiques pour des safaris !
Alors, une action humanitaire peut toujours servir de couverture!
A noter que, au plan du droit "l'arche de Zoé" n'est qu'une association de droit français créée ad-hoc avec des complicités politiques, subventionnée par les fonds excédentaires de l'Opération Tsunami que certains organismes ont "refoulé" pour des raisons fiscales (trop d'argent).
La mention "ONG" est complètement usurpée. Zoé n'a jamais eu l'aval de l'UNICEF.
Ajoutez-y des anciens légionnaires . Vous savez,..., ces tueurs sans état d'âme, qui prétendent mettre leur savoir-faire au service de actions de charité ! .
Bref, le commun de mortels comprendra ...
اوافقك الراي استاذ.......... لن ينالوا من عزمنا للحياة
Enregistrer un commentaire