mardi 2 septembre 2008

تأبط نفطا

برلسكوني في بنغازي
تأبط نفطا
عدنان المنصر
مقال صادر بصحيفة الموقف التونسية العدد 463 بتاريخ 5 سبتمبر 2008


تاريخية بحق كانت زيارة برلسكوني لليبيا، ليس لأنها نادرة ومهمة، بل لحضور التاريخ المكثف فيها. جاء الرجل حاملا
معه،"كبادرة حسن نية"، تمثال حورية شحات الذي عثر عليه علماء آثار إيطاليون في ليبيا في 1913 وظل منذ ذلك الزمن معروضا في متحف ماسيمو بروما. كما جاء الرجل معتذرا عن عقود الإستعمار الثلاثة التي عانت خلالها المستعمرة الإيطالية السابقة أبشع أنواع الإستغلال والتقتيل والتخريب. ولأننا عرب ومسلمون ومستعمرون سابقون، فإننا نعفو عند المقدرة. من هذا المنطلق لا يمكن أن نرد الرجل خائبا وقد جاء إلينا معتذرا، حزينا أسفا.

إن تتبعا بسيطا لتفاعل الصحافة العالمية مع الزيارة ودلالاتها ليثير ملاحظة هامة. ففي حين ركزت الصحف العربية على مسألة الإعتذار واعتنت برمزية إعادة التمثال وانساقت في اعتبارات تعطي الأولوية للماضي، فإن الصحافة الغربية أكدت على المغانم الإيطالية من هذه الزيارة إلى الحد الذي بدت معه وكأنها غزوة جديدة تعطي لإيطاليا بالسلم ما عجزت عن أخذه بااضغط والقوة. والأمر في الحقيقة لا يعبر عن توصيف أحادي الجانب للواقع بقدر ما يعبر عن انتظارات كل طرف من اتفاقية الصداقة الايطالية-الليبية الموقعة في بنغازي يوم 30 أوت الجاري. ففي حين عبرت الصحافة العربية عن عمق الجرح الإستعماري وعن حاجتنا إلى ما يخفف عنا وطأة الظلم التاريخي، فإن الصحافة الغربية لم تول أهمية لغير الجانب الإقتصادي فانساقت في تعداد المكاسب الإيطالية من هذه الإتفاقية: عقود الطاقة، الإستثمارات، مكافحة الهجرة السرية، والحرب على الإرهاب.
جاء برلسكوني إلى ليبيا بعد ساركوزي وقد أسالت لعابه دون شك العقود التي فازت بها فرنسا إن في مجال التسلح أو في ميدان الطاقة. لكن الرجل الذي لم تسمح له تقلبات السياسة الداخلية الإيطالية دائما بإنهاء كل المهام التي بدأها ظل يعتبر تحسين العلاقات مع ليبيا إحدى أهم أولويات سياسته حتى عندما لم يكن في سدة رئاسة الحكومة. فهو الذي بدأ مسار إعادة تمثال حورية شحات بإمضائه كوزير للثقافة على القرار منذ 2002 ذلك القرار الذي أثار الكثير من اللغط داخل إيطاليا وبخاصة داخل أوساط علماء اللآثار والمؤرخين. وكما فعل ساركوزي ولكن بصراحة أكبر، اعترف برلسكوني دون مواربة بالجريمة التاريخية ملقيا بالمسؤولية عنها على الأجيال السابقة. وفي كلتا الحالتين كان اليمين الأوروبي الذي يتحمل تاريخيا المسؤولية السياسية والأخلاقية للإستعمار هو المبادر للإعتذار في حين أن اليسار الأوروبي، الأقرب موضوعيا من هذا "الفعل الحضاري" لم يجرؤ على السير في دربه. ليس في نيتنا أن نفاضل بين اليمين واليسار فليس هذا مجال المفاضلة، وإنما أن نبين مقدار براغماتية أوروبا في التعامل مع أكثر المسائل حساسية، وأهمها بلا شك المسألة الاستعمارية. ينظر اليمين الأوروبي إلى الوضع بطريقة جد بسيطة: هناك تنافس اقتصادي يشتد، هناك حاجة متزايدة لتأمين إمدادات الطاقة مع تصاعد نذر مواجهة جديدة قد توقف تدفق نفط الخليج، هناك جحافل من الحفاة العراة يغزون سواحل أوروبا من الجنوب يجب ردعهم، وهناك إرهاب يجب أن يكافح. الأمر بهذه البساطة، فلم المكابرة؟ بعض الأرقام يمكن أن تجعلنا نتفهم هذه الطريقة في النظر إلى الوضع: تمثل ليبيا المنتج الثاني للنفط في إفريقيا بعد نيجيريا (قبل الجزائر) وهي تملك طاقة إنتاج تقارب المليوني برميل يوميا، في حين أن مخزونها النفطي يناهز الخمس وأربعين مليار برميل. أما بالنسبة للغاز الطبيعي فإن المخزون المعلوم لا يقل عن 1300 مليار متر مكعب بغض النظر عما ستسفر عنه أعمال التنقيب الجديدة. من هذا المنطلق يمكن أن نفهم لماذا اعتذرت إيطاليا للشعب الليبي ولم تعتذر للشعب الأثيوبي، فالأمر هناك لا يستحق العناء.
عندما جاء الإستعمار إلى بلادنا، كان يحلو للدول الأوروبية أن تردد أن الأمر استدعته ضرورات تمدين الشعوب الهمجية، وبذلك الداعي أبيدت أجيال كاملة من الجزائريين والليبيين في معسكرات الإعتقال والمنافي والمحتشدات، كانت "الحضارة" تستحق ذلك العناء. وفي أثناء ذلك كانت خيرات أرضنا تنهب وتهرب إلى مصانع أوروبا وأسواقها، ومزارع أجدادنا تصادر وتوهب للمعمرين الفاتحين. من جانب أوروبا كانت هناك أيضا "تضحيات"، فقد أنفقوا الكثير لإخضاعنا والمحافظة علينا مقهورين. وعندما فاقت تكلفة الإخضاع مرابيح الغزو حملوا متاعهم (ومتاعنا) ورحلوا. ولأن أوروبا واقعية وعقلانية فإنها تخضع سياساتها دائما لمصالحها، فعندما استوجب الأمر تمجيد الإستعمار كضرورة للتمدين وكحاجة للحضارة، كان خطابها مسخرا، إن يمينا أو يسارا، لترسيخ ذلك في أذهاننا. أما اليوم، فلم يعد هناك من يقبل بمثل تلك التبريرات. ولأنهم يدركون عقدنا، ما ظهر منها وما بطن، ويعرفون جيدا ما يحتاجون إليه وكيف يبلغونه، فقد دخلوا بيوتنا من أبوابها: أقبلوا معتذرين أسفين وعيونهم على ما غفلوا عنه في الماضي من الخيرات. في كلتا الحالتين لم يكونوا صادقين وفي كلتا الحالتين أيضا كانوا يسخرون من ذكائنا.
إن الإعتذار الحقيقي والحضاري فعلا هو ذلك الذي يكون قد وقر في القلب وصدقه العمل. ليس من الضروري هنا أن نذكر بنظرة الغرب لنا، وهي نظرة لم تتغير منذ قرن ونصف إلا قليلا. بالنسبة إليهم لا نزال همجيين، في حين لا زالوا يعتقدون أنهم الناطقون باسم الحضارة والمدنية. ولأن عالم اليوم لا يولي قيمة لما يخرج عن نطاق المصلحة، فإن من مصلحتنا أن لا نعول على يقظة الضمير هذه تعويلا كثيرا ولا أن نجعل من الإعتذار عن الإستعمار عقدة وجودنا. لا يفيد كثيرا أن نظل متشبثين باعتذار نعلم أنه قد لا يعني في نظر الناطقين به شيئا، في حين من المتاح الإصرار على ترسيخ التفهم لخصوصياتنا الحضارية لدى الأجيال الأوروبية الشابة. كما لا يفيد كثيرا أن ننظر للحاضر بمرآة الماضي دائما، في حين أن الأمر أصبح يستدعي، مثلما فهم ذلك الأوروبيون، النظر إلى الماضي بمرآة الحاضر. لا يبدو تحقيق ذلك متاحا في المدى المنظور، لأن المسألة، كما تتجلى لنا في كل مرة، هي قبل كل شيء "مسألة كرامة
".

4 commentaires:

علاش a dit…

لست موافقك في ان هذا الاعتذار لا يساوي شيئا! على الاقل سيمكننا هذا من ان نضمد جراحنا النفسية و ان نضع جانبا عقدنا لكي نستطيع ان ننظر الى اوروبا نضرة ندّية.

هذا الاعتذار قد لا يساوي شيئا بالنسبة لهم لكنه يساوي الكثير بالنسبة لنا, هذا يعني ان اجدادنا الذين قتلوا ليسوا باشباه بشر. ان حصل هذا في تونس, وهو مستبعد, فلن تجد اي تونسي يقول, كما هو الحال اليوم انه كان للاستعمار الكثير من الجوانب الاجابية كالسكك الحديدية و غيرها متناسيا بذلك المسار الاصلاحي التونسي الذي قتلته فرنسا في ذلك الوقت, متناسيا انفصام الشخصية الذي خلفته في المجتمع, متناسيا اللغة الفرنسية التي ابتلينا به و جعلتنا لا نتقن غيرها في عالم ليس لها فيه مكان, متناسيا اننا اصبحنا كقمر يحوم حول فرنسا لا اهداف لنا و لا حول ولا قوة, و متناسيا عقد النقص التي زرعت فينا و التي جعلتنا مقتنعين خير اقتناع اننا "لا نستطيع" !!!

ليبيا كانت ستمنح كل هذه الامتيازات و العقود التجارية الى شركات اجنبية قدمت ايطاليا اعتذارها او لم تقدم!!

لنتصرف مع الغرب كالغرب! لننظر اليهم ككوم من اليورو و العلم يجب علينا أن نأخذ منه أكثر ما أمكن بأبخس ثمن و السؤال هنا, بغض النظر عن كونهم يسخرون منا أو لا, بغض النضر عن انهم ربحوا أم لا :
هل ربحت ليبيا من هذه الاتفاقية؟
الجواب و بدون شك نعم.

هل كانت تستطيع أن تربح أكثر؟
لا أعلم

من ربح أكثر ليبيا أم ايطاليا؟
هذا ليس مهم!


تحياتي

bouhlel a dit…
Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.
bouhlel a dit…

شكرا على هذا المقال المتميز.....
كان أولى بالقذافي أن يعتذر هو للشعب الليبي، يعتذر عن أكثر من ثلاثة عقود من الاستبداد والقمع والفساد…ولا أظن أن ما فعله ويفعله القذافي اقل مما فعله الاستعمار الإيطالي... وفي كلتا الحالتين بقي الشعب الليبي مسلوب الحرية وثرواته منهوبة وما أشبه الاستعمار الخارجي بالاستعمار الداخلي...
ومهما اختلفنا في أهمية الاعتذار في حد ذاته وفي قيمته على أرض الواقع، أعتقد أن الشعوب العربية، ومنها الشعب الليبي، لا تستحق اعتذارا فعليا وهذا ما يدركه الغرب، لأنّنا شعوب مسلوبة الحرية، خانعة، إرادتها مصادرة، تقبل الاستبداد والإذلال و تهلل وتصفق لجلاديها.... فالحر لا يمكن أن يعتذر للعبد... و يوم نصبح أسيادا على أنفسنا، ونتحرر من الاستبداد الجاثم فوقنا ويكون للإنسان العربي قيمة في وطنه...يومها سيعتذرون لنا بجديّة، حتما ليس بداعي صحوة الضمير، لأنني أعتقد أن ضمير الغرب مات منذ زمن بعيد( أو ربّما في غيبوبة)، ولكن لأننا سنستحّق الاحترام والتقديروسنفرض شروطنا و نعاملهم بنديّة وباللّغة التي يفهمونها....

مع التحية

Dr Sghaier khaled a dit…

salut et merci pour l'article. ceci est un article publié en occident
Libye Italie : commerce ou amitié ?

DEL BOCA Angelo, DI FRANCESCO Tommaso

Berlusconi annonce au sommet de Bengazi avec Kadhafi l’ « accord historique » qui « met fin à 40 années de malentendus » et au dédommagement de la « période coloniale italienne ». Seront attribués à Tripoli « cinq milliards de dollars, 250 millions par an pendant 20 ans », avec l’engagement de construire une autoroute côtière de la frontière tunisienne jusqu’à celle avec l’Egypte. Donc, après quatorze années de promesses, les siennes et celles de gouvernements de centre-gauche, le Cavaliere y est arrivé. Nous en parlons avec l’historien du colonialisme italien Angelo Del Boca.
Quelles sont les nouveautés de cet accord après des années de promesses ?

L’accord est important, par le montant du chiffre aussi, même si l’on sait qu’il y a eu de longues tractations. Les libyens insistaient pour un montant de six milliards de dollars –au fait, il s’agit de dollars ou d’euros ? Mais surtout il faut savoir s’il s’agit d’un accord « commercial » qui tient compte de la nouvelle dimension internationale d’un Etat qui « n’est plus canaille » pour les Etats-Unis ; Etast-Unis qu’on voit désormais aller faire la queue avec leurs multinationales pour le méthane et le pétrole de Tripoli ; ou bien s’il s’agit d’un pacte d’amitié comme cela avait été diffusé ces derniers jours. Ce sont deux choses assez diverses. Parce que si c’était uniquement un « traité d’amitié », je pense que l’Italie aurait enfin avec cet acte prononcé une condamnation définitive du colonialisme, que la Libye a vainement attendu dans tout l’après-guerre. C’est très important de définir cela. Parce que 5 milliards de dollars ne résolvent pas le nœud de nos responsabilités historiques. Le colonialisme italien a coûté à la Libye 100.000 morts, sur une population de 800.000. Cela veut dire qu’un Libyen sur 8 a été tué pour défendre son pays. L’Italie est-elle vraiment consciente de son passé colonial africain ? On nous dit que les choses ont changé ? Et l’initiative provocatrice de Calderoni il y a deux ans avec son T-shirt anti-islamique et celle de Gianfranco Fini qui, en tant que premier Ministre prétendait, il y a quatre ans seulement, que Tripoli ne célébrât plus la défaite italienne subie à Shara Schat en 1911. Une confirmation de ce « révisionnisme historique » gouvernemental nous arrive aussi ces jours ci dans la décision de changer le nom de l’aéroport Pio La Torre, de Comiso : il s’appellera désormais Vincenzo Magliocco, du nom du général d’aviation responsable des bombardements à l’ypérite contre l’Ethiopie. Un criminel de guerre tristement célèbre dans toute l’Afrique et que nous réhabilitons comme un héros parce qu’il fut tué en 1936 par les partisans éthiopiens.

Qu’a été ce que Berlusconi appelle « période coloniale » ?

Notre occupation militaire a duré de 1911 à 1943 : elle a apporté une dévastation, avec des milliers d’hommes morts au combat dans une guerre de guérilla qui s’est terminée en 1932 par la victoire des troupes fascistes, par des fusillés, des pendaisons. Et elle a aussi été un modèle des génocides modernes avec sa tentative de détruire une culture et une histoire. Parmi les barbaries de l’occupation italienne, il faut se souvenir de la création en Syrte de treize camps de concentration où l’on rassembla toute la population de Cyrénaïque pour empêcher qu’elle n’aide les combattants de Omar al Mukhtar, le leader de la lutte de libération libyenne, qui fut pendu par les italiens à Soluch en 1931. On transféra 100.000 personnes de force, nombre d’entre eux furent déportés en Marmarique, une région frontalière de l’Egypte, avec plus de 1000 Kms parcourus à pied, même en hiver, et ceux qui n’y arrivaient pas étaient abattus sur place. A la fin de l’année 1932, après la victoire sur la résistance libyenne, les camps de concentration furent fermés et il y eut 40.000 morts, de faim, de maladies et des décimations infligées à chaque attaque des combattants libyens. Sans compter les plus de quatre mille déportés dans les pénitenciers italiens, sur les îles de Ustica et Favignana ; réalité sur laquelle il existe déjà un bon accord établi en 1998 par le ministre des Affaires étrangères de l’époque, Dini, et voulu directement par Kadhafi, accord auquel a travaillé l’institut d’histoire Isiao (à Rome, menacé actuellement de fermeture,NdT).

En échange des financements italiens, qui devraient plutôt être des réparations en fonction de ce passé, selon Berlusconi la Libye s’engagerait à « renforcer la surveillance contre les clandestins ». Pour le ministre Maroni ce sera chose faite dans les prochains jours. Que pensez-vous de cet « échange » ?

Je suis un peu perplexe sur cette immédiateté. Il ne peut s’agir que d’un processus à long terme. Et puis, d’après les premières informations, on dit que « certaines questions sont en discussion », il y a une commission bilatérale qui est en pourparlers. Etrange pour un accord « historique ». Comme en ce qui concerne le déminage, un engagement qui avait été pris il y a au moins trente ans. Chose qui ne serait pas un acte symbolique : pensez qu’une grande partie de la Cyrénaïque est encore minée, que chaque année une cinquantaine de personnes meurent en sautant sur des mines, que Kadhafi lui-même a été blessé par une mine italienne. Maintenant, avec le super-contrôle contre l’immigration, nous demandons à la Libye de faire une chose très grave. Parce que les immigrés désespérés fuient la misère de la grande Afrique centrale –qui n’a pratiquement pas de frontière avec la Libye- et que la Libye elle-même est faite en partie d’une population immigrée. A présent, oublieux des « camps » coloniaux, nous demandons de faire de nouveaux camps d’accueil qui ne sont autre que de nouveaux, petits camps de concentration.

Edition de dimanche 31 août de il manifesto