dimanche 29 avril 2007

في ذكرى أحداث أفريل 1938

في ذكرى أحداث أفريل 1938
هل وجد التونسيون ما وعدهم زعماؤهم حقا؟

تمر هذا الأسبوع الذكرى التاسعة والستون لأحداث 8 و 9 أفريل 1938 التي شهدتها بلادنا والتي شكلت مفصلا هاما في مسيرتها التحررية. فانطلاقا من يوم 7 أفريل شهدت مختلف مناطق القطر تنظيم مظاهرات جماهيرية أطرها الحزب الدستوري الجديد للمطالبة ببرلمان تونسي، وقد عرفت هذه التحركات أوجه جماهيريتها بتونس العاصمة في اليوم الموالي عندما خرجت مظاهرتان ضخمتان التقتا أمام مبنى السفارة الفرنسية بوسط العاصمة في تحد واضح لسياسة التضييق الاستعمارية على الوطنيين.

وفي الحقيقة فإن هذه الأحداث شكلت تتويجا لمسار طويل من التعبئة السياسية للجماهير كنتاج لفشل المسار التفاوضي الذي شرعت فيه الحركة الوطنية تحت قيادة الحزب الدستوري الجديد منذ صعود الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا. وفي المقابل كانت أوساط التفوق الاستعماري تدفع في اتجاه حصول صدام بين السلطة والوطنيين من أجل وضع نهاية لمسار تحرري بدا أنه يتجه نحو تهديد المصالح التي يقوم عليها النسق الاستعماري. إن صراع هذين الاتجاهين هو ما أدى إلى اندلاع مصادمات اليوم التالي، يوم 9 أفريل 1938، عندما سرت إشاعة (كان يعوزها المنطق) بإعدام علي البلهوان الذي كان يعتبر، بفعل حماسه الوطني واتساع تأثيره على الشباب المدرسي وخطاباته الملتهبة، محرك تلك الأحداث. من هنا، وفي إطار تلك الظرفية الخاصة من التوتر السياسي والتعبئة الكاملة، لم يكن هناك بد من وقوع ما وقع: سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى بين قوات حفظ النظام والتونسيين. غير أنه تجدر الإشارة من ناحية أخرى إلى أن كل طرف حصل في نهاية الأمر على النتيجة التي كان يرومها: فمن ناحية القيادة الوطنية تم إثبات جماهيرية الحزب الدستوري الجديد وقدرته على التجييش والتعبئة واستعداد مناضليه الكثر إلى ولوج أشكال غير متوقعة من التحرك السياسي. أما الأوساط الاستعمارية فقد تحصلت على الذريعة التي ستحسن استغلالها للشروع في عملية قضاء منهجي على الحركة الوطنية التونسية عن طريق اعتقال القيادات الدستورية والمحاصرة الصارمة للعمل الوطني والشروع في عملية إعادة الاعتبار لهيبة النظام الاستعماري.
غير أن تلك الأحداث عبرت من ناحية أخرى على دخول معطيات جديدة إلى الساحة السياسية الوطنية في هذه الفترة الحساسة من تطور المسار التحرري. وأول هذه المعطيات على الإطلاق أن العناصر الشابة شكلت، مثلما هو الشأن في كل التحركات الجماهيرية الكبرى، العمود الفقري للتحرك الوطني. وقد ألحت بعض المصادر على الدور الذي قام به تلاميذ المدرسة الصادقية وطلبة الجامع الأعظم في هذه التحركات، سواء في مظاهرة يوم 8 أفريل التي كان مخططا لها، أو في المصادمات التي جرت في اليوم الموالي بفعل التجمع غير المبرمج أمام المحكمة الفرنسية في شارع باب بنات ومسارعة قوات حفظ النظام إلى إطلاق النار على المتظاهرين مما فجر المصادمات. وقد شكل الحضور الهام للشباب المتعلم في تلك الأحداث ضمانة لاستمرار المسار التحرري في الفترة الموالية حتى في غياب القيادات التاريخية للحركة الوطنية. أما الفئات الشابة غير المتعلمة والتي قدمت إلى مسرح الأحداث لتشارك في تأجيجها فقد كانت هي الأخرى مدفوعة برغبة جامحة في الانتقام من وضع غير عادل حكم عليها بالهامشية والفقر وقد اعتقدت أن الفرصة قد حانت لتصفية حساب قديم مع نظام الهيمنة الاستعماري.
قد تكون هذه المعطيات مشتركة في الواقع مع كل التحركات الجماهيرية ذات الطابع السياسي والاحتجاجي ليس في تاريخ تونس فحسب بل في تاريخ كل الحركات التحررية. غير أن هذه الأحداث، بفعل الشعارات التي رفعتها وخصوصية النضال الوطني الذي قاده الحزب الدستوري، تعبر عن بعد آخر مختلف عما نجده في معظم حركات التحرر. فقد كانت المطالبة ببرلمان تونسي أهم شعار رفعته الجماهير يوم 8 أفريل 1938، وكان ذلك تتويجا لحركة دستورية عريقة طالبت منذ ظهورها بإعادة العمل بدستور 1861 في تمسك واضح بفكرة أن الحماية لا يجب أن تتحول إلى نظام يقضي على سيادة الكيان التونسي.
كان مغزى المطالبة ببرلمان تونسي عميقا: ففي البرلمان يفترض أن يجتمع نواب الأمة الذين انتخبهم الشعب للدفاع عن مصالحه ولوضع حد للاستبداد وللحفاظ على علوية الشعب تجاه أية مرجعيات أخرى. وعلى مستوى آخر فقد كان البرلمان ضمانة لتأسيس نظام يضع كل سلطة في حجمها المفترض. غير أن البرلمان يمكن أن يكون تأسيسيا تقع على عاتقه مهمة صياغة دستور ينظم الحياة السياسية في البلاد وينتج مشروعا جديدا للدولة، أو أن يكون برلمانا عاديا ينتخب وينشط في إطار دستور موجود. لم يرهق الوطنيون أنفسهم كثيرا في تحديث النموذج المراد إتباعه. كانوا يطالبون فحسب ببرلمان تونسي، وكانوا مصرين على وضع أنفسهم كتواصل للحركة الدستورية مثلما يشير إلى ذلك الاسم الذي اختاروه منذ 1920 لحركتهم. ذلك أن مجرد المطالبة ببرلمان تعني الاستناد إلى دستور أو إلى مشروع دستور، والمؤسستان ضمانة لسيادة الشعب في مواجهة الاستبداد سواء كان استعماريا أو غير ذلك. وفي المقابل فإن نظام الهيمنة الاستعمارية كان مقتنعا أن التنازل للوطنيين يعني بداية النهاية للمسار الاستعماري برمته، لأن الفرنسيين كانوا، بحكم تجربتهم التاريخية، يعرفون أكثر من غيرهم أن الإقرار بمبدأ السيادة الشعبية لا يمكن أن يؤدي سوى إلى وضع نهاية لنظام الاستبداد والمصالح والفئات التي يستند إليها.

لكن التجربة التونسية ستبين وجود إمكانية أخرى: برلمان ودستور واستبداد في الوقت نفسه. فقد نجح الزعيم بورقيبة، تسانده في ذلك نخبة من الوطنيين المؤمنين به وبالوطن، في وضع الأسس لنظام رئاسوي ضخم من صلاحيات السلطة التنفيذية وجعل بقية السلطات في وضع غلب عليه الضعف وغياب الاستقلالية. وسبب ذلك أنه من وراء المؤسسات الجديدة، كالبرلمان والدستور، كانت النخبة التي أناطت بنفسها مهمة إنجاز الدولة الوطنية تعتبر أن الحزب الذي قاد عملية التحرر هو الممثل الحقيقي للسيادة الشعبية. من هنا فإن تنازل الشعب عن "سيادته" لا يتم لصالح المؤسسات الحديثة مثل البرلمان، بل في إطار تلك المؤسسات لصالح "حزب الأمة" الذي يصبح بإمكانه الحصول على أداة شرعية لاتخاذ القرار. كما أن انتشار الأمية وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، يجعل من غير الصائب في نظر تلك النخبة الوثوق بقدرة الجماهير على الاختيار السليم في نظام ديمقراطي عادي. وهكذا أصبح تخلف الوضع الاجتماعي مبررا في يد النخبة الوطنية الحاكمة لعدم العودة للإرادة الشعبية واعتبار الشعب قاصرا إلى ما لا نهاية، وعوضا عن أن تكون سيطرة الدولة الوطنية مقدمة لتحديث عميق للممارسة السياسية في إطار المؤسسات الحديثة، تصاعدت الممارسة الاستبدادية للدولة مما يثير التساؤل عن الغاية من خلق المؤسسات الجديدة ومن تأسيس نظام على النمط الجمهوري.
هل حقق التونسيون والدستوريون منهم بالخصوص ما أرادوه عندما رفعوا شعار "برلمان تونسي" في أفريل 1938 ؟ لقد عادت النخبة الوطنية التي وصلت السلطة بعد كفاح مرير ضد الحضور الاستعماري إلى مربع البداية، وبعد أن قاومت ذلك الحضور من منطلق بلوغ التونسيين الرشد وقدرتهم على تسيير شؤونهم بنفسهم، اعتمدت منطقا عكسيا فبدأتا بالتشكيك في نضج الشعب وفي قدرته على التعامل مع المؤسسات الحديثة وفي تحمل تبعات الممارسة الديمقراطية. وبعد أن كان البرلمان والدستور مطلبا شعبيا أمكن للوطنيين بواسطته تكتيل جانب كبير من الأمة خلفهم، أصبحا تعبيرا عن طموحات النخبة وإستراتيجيتها في السيطرة على المجتمع.
يكاد يكون مسلما به أن تونس أضاعت من البداية فرصة بناء دولة حديثة تقوم على مؤسسات فاعلة ومستقلة عن الأحزاب والأهواء والمصالح. لذلك فإن آفاق أي تطور تبقى محكومة بالضيق ما لم يعد الجميع التفكير في المنطلقات: ما هي الحداثة التي نريد؟ وما هي الغاية من كل عمل بما في ذلك التحديث؟ وكيف تنظر النخبة إلى دورها في مجتمع يتوق إلى تحقيق إنسانيته؟ سيؤدي ذلك حتما إلى إعادة تقييم نصف قرن من تجربة الدولة في تونس. فما بدا تحديثا قد لا يتجاوز القشرة الخارجية، أما اللب فبقي فيما يبدو مستعصيا. وطيلة نصف قرن من الزمان، وهي فترة ليست بالقصيرة مثلما قد يتوهم البعض، كانت الدولة تدعي الحداثة وتمارس نقيضها، تزعم بناء مؤسسات الحداثة وتعرقل نموها، تمتدح نضج الرعية وتغتال عقلها. لقد أضحت الحداثة، بهذا المنطق، مجرد إيديولوجيا للحكم وخطابا لا يقنع ولا يغني من جوع. وفي المقابل فإن عملا بطيئا وعميقا ومؤثرا لم يسنح له أن يبدأ: ترسيخ فكرة المواطنة، والتربية على احترام الاختلاف في الرأي، وتعميق فكرة أن الإنسان غاية كل مجهود وأن الإنسانية هدف كل فرد. أن يصبح الإنسان مؤسسة والرأي الحر مؤسسة واحترام الآخر مؤسسة، هو المسار الذي يمكن أن يبني مؤسسات حقيقية، مؤسسات للمجتمع وليس للدولة، فتلك ضمانة لهذه وهي، فوق ذلك، أهم وأكثر دواما.

1 commentaire:

Adem Salhi a dit…

مرحبا بك أخي في عالم المدوّنات؛ تسعدني كثيرا شهادتك في مدونتي؛ انا الآن بصدد انجاز مشروع ثقافي هو عبارة عن مكتبة الكترونية شاملة تتميز خاصة بنشر الاعمال الاكادمية(ديبلوم؛ ماجستير؛ دكتوراه؛ بيبلوغرافيا...الخ)؛ انا في حاجة الى امثالك من الاساتذة العارفين باهمية النشر الالكتروني لانجاز هذا المشروع؛ اتمنى ان تعجبك الفكرة و لما لا تكون من الفريق العامل بهذا المشروع؛ لقد قمنا في مرحلة اولى بانجاز مدونة للمشروع؛ ارجو ان تلقي نظرة و تتصل بي اذا اعجبتك الفكرة
رابط المدونة
http://blog.maktabanet.org/
تحياتي