المكتبة الرقمية الإنسانية وتنافس الثقافات
عدنان المنصر
مقال صادر بجريدة الموقف بتاريخ 16 فيفري 2007 وبجريدة الحياة اللندنية تاريخ 18 2007
الرابط
http://213.253.55.207/science_tech/05-2007/Item-20070517-9afcd57d-c0a8-10ed-01b2-ede8b1a44126/story.html
تمثل الأنترنت اليوم إحدى أهم الأدوات في عالم البحث في مختلف ميادين المعرفة البشرية. وبسبب الانتشار السريع في نسق استخدامها على مستوى العالم فقد امتدت إلى ميادين أكثر فأكثر تنوعا، وأصبح نشر الكتب والفهارس على الشبكة من بين أكثر خدمات الأنترنت إقبالا. وكنتيجة لذلك ظهرت بصفة مبكرة مشاريع بناء مكتبات رقمية تتيح للمطالعين المتصلين بالأنترنت الحصول على عدد من المؤلفات غير المشمولة بحقوق النشر والتأليف، فكانت البداية في الولايات المتحدة منذ 1971 عن طريق مشروع بدأه أحد الشبان ويدعى مايكل هارت وأطلق عليه اسم قوتنبرق . وقد تطور ذلك المشروع منذ 35 سنة تطورا كبيرا إلى الحد الذي أصبح معه اليوم أضخم مشروع مكتبة رقمية غير تجارية في العالم. وقد سمح اتساع إمكانيات تخزين المعلومات لمايكل هارت ولحوالي الألف متطوع ضمن هذا المشروع من وضع آلاف العناوين على ذمة الباحثين والمطالعين بالمجان، حيث من المتوقع أن يبلغ عدد العناوين المرقمنة في منتصف العشرية القادمة حوالي المائة ألف عنوان. ويلاقي مشروع قوتنبرغ اليوم نجاحا هائلا حيث يقدر عدد الكتب التي تتم استعارتها على الشبكة في شكل رقمي (تصفح أو تخزين) حوالي المليوني كتاب شهريا.
وسرعان ما انتشرت فكرة المكتبات الإلكترونية في العالم الغربي وبصفة خاصة في العالم الأنقلوسكسوني حيث قامت شبكات من أعرق المكتبات الجامعية الأمريكية بالتعاقد مع شركات إعلامية لرقمنة مخزونها المعرفي في مختلف المجالات، غير أن مشروع قوقل برنت يعتبر اليوم أكثرها طموحا وأضخمها تمويلا، حيث يتوقع القائمون عليه أن يضع على ذمة المتصلين بالشبكة حوالي 15 مليون عنوان، أي ما يعادل 4,5 مليار صفحة من المكتبة الأنقلوسكسونية.
وقد كان من النتائج المباشرة لمشروع قوقل برنت أنه نقل الصراع بين الأنقلوسكسونية والفرنكوفونية إلى ميدان رقمنة الكتب، حيث تعمل المكتبة الوطنية الفرنسية، عبر مشروعها قاليكا على رفع التحدي بتسريع عملية رقمنة رصيدها الهائل من المصادر والمراجع باللغة الفرنسية، مع تفاوت واضح في القدرة على ايجاد التمويلات الكافية. ورغم سعي الفرنسيين إلى إقحام الإتحاد الأوروبي في هذا المشروع تحت مسمى مواجهة التحدي الثقافي الأمريكي، إلا أن ذلك لا يلاقي فيما يبدو نجاحا كبيرا، بالنظر إلى أن الهم الفرنكوفوني ليس مشتركا بين معظم الدول الأعضاء.
إن للموضوع بعده المعرفي بالتأكيد، غير أن الجانب الربحي لا يقل عنه أهمية. فبغض النظر عن البعد الثقافي الكامن وراء انتقاء عناوين دون غيرها ولغات دون أخرى، فإن تحويل مشاريع المكتبات الرقمية إلى مشاريع مربحة تجاريا لأصحابها من شأنه أن يحدث ثورة عظيمة أخرى في هذا الميدان، لذلك تحظى مشكلة حقوق التأليف والنشر بأكبر جنب من اهتمام القائمين على هذه المشاريع.
إن قيمة المكتبات الرقمية التي تتيح لعموم المتصلين بشبكة الأنترنت تصفح أو تخزين ما يريدونه من عناوين، مجانا أو بمقابل، لا تضاهيها قيمة فيما يبدو سوى عملية اختراع الطباعة التي نقل قوتنبرغ بواسطتها المعرفة من نشاط تمارسه نخبة ضيقة إلى أوسع الأنشطة البشرية. وبالرغم من الصراع الكامن وراء عملية التنافس في بناء المكتبات الرقمية فإن النتيجة ستكون بالتأكيد في صالح البشرية كلها حيث سيؤدي تراكم هذه المشاريع إلى إنشاء ما يسمى بالمكتبة الرقمية الإنسانية التي ستحفظ إلى ما لا نهاية المعرفة الإنسانية من الضياع.
وفيما يبدو فإن هذه المكتبة الرقمية الإنسانية أنقلوسكسونية بالدرجة الأولى وفرنكوفونية بدرجة ثانية، في حين لا يكاد عدد العناوين العربية المرقمنة يذكر مقارنة بثراء المكتبة العربية، وهو أمر يمكن إرجاعه على المستوى التقني إلى ضآلة الجهد المبذول لرقمنة الكتب العربية. ففيما عدا بعض المشاريع الفردية التطوعية التي يكاد ينحصر معظمها في منطقة الخليج، ليس هناك شيء يذكر. بل إن المتصفح للمواقع الإلكترونية لدور الكتب في البلدان العربية يصاب بخيبة أمل كبيرة، ذلك أن هذه الدور تفشل إلى حد اليوم ، برغم الإمكانيات البشرية والتقنية التي تتوفر عليها، في وضع مجرد فهارس بعناوين مخزونها تتيح للباحثين الإطلاع عليها عن بعد. وعوضا عن ذلك تتحول تلك المواقع في الغالب إلى عمل دعائي منعدم المضمون. وانعكاسات ذلك كبيرة حيث يخسر الباحث، في مختلف ميادين البحث، وقته وماله وجهده، فيتأخر نفعه لغيره. والوضع ليس أحسن حالا بالنسبة للمكتبات الجامعية، وهي في الأصل مكتبات بحث.
هذا الوضع يفتح الجدل واسعا حول السياسات الثقافية في البلدان العربية، هذا إذا جاز لنا إطلاق تسمية "سياسات ثقافية" على ما يفعل بالثقافة في تلك البلدان. إن ضحالة المساهمة العربية في مشروع المكتبة الإنسانية الرقمية لا يعود لقلة الخبرات ولا إلى ضعف الإمكانيات، بل إلى انعدام إرادة سياسية تجعل من الهم الثقافي هما جديا لوزارات الثقافة العربية، فلو خصص لهذا المشروع جزء يسير من الميزانيات التي تنفق على "دعم الأغنية" أو جزء مما ينفق على حفلات الاستقبال الرسمية لكان الأمر كافيا. غير أن المسألة لا تقف عند تخلي المسئولين عن الثقافة في البلدان العربية عن مسؤولياتهم في نشر وتطوير اللغة الأم، ذلك أن الجامعات العربية هي الأخرى لا تقوم بأدنى المطلوب في هذا الشأن. لذلك فإن النتيجة تكاد تكون نفسها حيث ما وليت وجهك: تصحر ثقافي، انعزال متزايد عن حركة الفكر الإنساني، ضعف في المناعة الثقافية للجيل المتعلم وانتشار غير مسبوق للجهل والخرافة.
إن حلم اللحاق بالمجهود المبذول في الفضاءات الثقافية الغالبة اليوم لم يعد غير واقعي فحسب، بل إن المرء يتساءل عن إمكانية المحافظة على رتبتنا الحالية في سلم التخلف العلمي والثقافي والحفاظ على بعض ما تم تحقيقه في العقود الماضية. غير أن إلقاء التبعات على السياسات الرسمية لا يغطي إلا جزءا من المشكلة، ذلك أن الاستقالة من مسؤولية صيانة الثقافة العربية تكاد تصبح سلوكا عاما لدى جانب كبير من الشرائح التي يفترض أن تكون أكثر وعيا من غيرها بخطورة هذه المسألة. وهنا تطرح قضية مساهمة المجتمع الأهلي، أو المدني، في المحافظة على إحدى أهم أسس هويته الثقافية، واعتبار نفسه معنيا أكثر من الجهات الرسمية بهذا الموضوع. ذلك أن المشاريع الغربية في مجال المكتبات الرقمية بدأت كلها بشكل غير رسمي واستندت إلى العمل التطوعي، ولم تتطور إلى الشكل الذي أصبحت عليه اليوم إلا بفضل عملية تراكم طويلة الأمد.
غير أن تطور الاقتصاد الرقمي وانفتاحه على مجالات جديدة يمكن أن يحدث النقلة المطلوبة في مجال الكتاب الرقمي العربي حيث أصبح بإمكان المستثمرين الخاص ولوج عالم الثقافة الرقمية العربية باعتبار الأرباح التي يمكن جنيها من الإطلاع على المخزون الرقمي، حتى لو تعلق الأمر في البداية برقمنة الكتب التراثية المحررة من حقوق التأليف. ليجرب أحدهم ذلك وسيتأكد من الأرباح التي سيجنيها، وسيكون في النهاية قد حقق استثمارا جيدا وساهم (حتى من حيث لا يدري) في "مشروع صيانة الثقافة العربية".
عدنان المنصر
مقال صادر بجريدة الموقف بتاريخ 16 فيفري 2007 وبجريدة الحياة اللندنية تاريخ 18 2007
الرابط
http://213.253.55.207/science_tech/05-2007/Item-20070517-9afcd57d-c0a8-10ed-01b2-ede8b1a44126/story.html
تمثل الأنترنت اليوم إحدى أهم الأدوات في عالم البحث في مختلف ميادين المعرفة البشرية. وبسبب الانتشار السريع في نسق استخدامها على مستوى العالم فقد امتدت إلى ميادين أكثر فأكثر تنوعا، وأصبح نشر الكتب والفهارس على الشبكة من بين أكثر خدمات الأنترنت إقبالا. وكنتيجة لذلك ظهرت بصفة مبكرة مشاريع بناء مكتبات رقمية تتيح للمطالعين المتصلين بالأنترنت الحصول على عدد من المؤلفات غير المشمولة بحقوق النشر والتأليف، فكانت البداية في الولايات المتحدة منذ 1971 عن طريق مشروع بدأه أحد الشبان ويدعى مايكل هارت وأطلق عليه اسم قوتنبرق . وقد تطور ذلك المشروع منذ 35 سنة تطورا كبيرا إلى الحد الذي أصبح معه اليوم أضخم مشروع مكتبة رقمية غير تجارية في العالم. وقد سمح اتساع إمكانيات تخزين المعلومات لمايكل هارت ولحوالي الألف متطوع ضمن هذا المشروع من وضع آلاف العناوين على ذمة الباحثين والمطالعين بالمجان، حيث من المتوقع أن يبلغ عدد العناوين المرقمنة في منتصف العشرية القادمة حوالي المائة ألف عنوان. ويلاقي مشروع قوتنبرغ اليوم نجاحا هائلا حيث يقدر عدد الكتب التي تتم استعارتها على الشبكة في شكل رقمي (تصفح أو تخزين) حوالي المليوني كتاب شهريا.
وسرعان ما انتشرت فكرة المكتبات الإلكترونية في العالم الغربي وبصفة خاصة في العالم الأنقلوسكسوني حيث قامت شبكات من أعرق المكتبات الجامعية الأمريكية بالتعاقد مع شركات إعلامية لرقمنة مخزونها المعرفي في مختلف المجالات، غير أن مشروع قوقل برنت يعتبر اليوم أكثرها طموحا وأضخمها تمويلا، حيث يتوقع القائمون عليه أن يضع على ذمة المتصلين بالشبكة حوالي 15 مليون عنوان، أي ما يعادل 4,5 مليار صفحة من المكتبة الأنقلوسكسونية.
وقد كان من النتائج المباشرة لمشروع قوقل برنت أنه نقل الصراع بين الأنقلوسكسونية والفرنكوفونية إلى ميدان رقمنة الكتب، حيث تعمل المكتبة الوطنية الفرنسية، عبر مشروعها قاليكا على رفع التحدي بتسريع عملية رقمنة رصيدها الهائل من المصادر والمراجع باللغة الفرنسية، مع تفاوت واضح في القدرة على ايجاد التمويلات الكافية. ورغم سعي الفرنسيين إلى إقحام الإتحاد الأوروبي في هذا المشروع تحت مسمى مواجهة التحدي الثقافي الأمريكي، إلا أن ذلك لا يلاقي فيما يبدو نجاحا كبيرا، بالنظر إلى أن الهم الفرنكوفوني ليس مشتركا بين معظم الدول الأعضاء.
إن للموضوع بعده المعرفي بالتأكيد، غير أن الجانب الربحي لا يقل عنه أهمية. فبغض النظر عن البعد الثقافي الكامن وراء انتقاء عناوين دون غيرها ولغات دون أخرى، فإن تحويل مشاريع المكتبات الرقمية إلى مشاريع مربحة تجاريا لأصحابها من شأنه أن يحدث ثورة عظيمة أخرى في هذا الميدان، لذلك تحظى مشكلة حقوق التأليف والنشر بأكبر جنب من اهتمام القائمين على هذه المشاريع.
إن قيمة المكتبات الرقمية التي تتيح لعموم المتصلين بشبكة الأنترنت تصفح أو تخزين ما يريدونه من عناوين، مجانا أو بمقابل، لا تضاهيها قيمة فيما يبدو سوى عملية اختراع الطباعة التي نقل قوتنبرغ بواسطتها المعرفة من نشاط تمارسه نخبة ضيقة إلى أوسع الأنشطة البشرية. وبالرغم من الصراع الكامن وراء عملية التنافس في بناء المكتبات الرقمية فإن النتيجة ستكون بالتأكيد في صالح البشرية كلها حيث سيؤدي تراكم هذه المشاريع إلى إنشاء ما يسمى بالمكتبة الرقمية الإنسانية التي ستحفظ إلى ما لا نهاية المعرفة الإنسانية من الضياع.
وفيما يبدو فإن هذه المكتبة الرقمية الإنسانية أنقلوسكسونية بالدرجة الأولى وفرنكوفونية بدرجة ثانية، في حين لا يكاد عدد العناوين العربية المرقمنة يذكر مقارنة بثراء المكتبة العربية، وهو أمر يمكن إرجاعه على المستوى التقني إلى ضآلة الجهد المبذول لرقمنة الكتب العربية. ففيما عدا بعض المشاريع الفردية التطوعية التي يكاد ينحصر معظمها في منطقة الخليج، ليس هناك شيء يذكر. بل إن المتصفح للمواقع الإلكترونية لدور الكتب في البلدان العربية يصاب بخيبة أمل كبيرة، ذلك أن هذه الدور تفشل إلى حد اليوم ، برغم الإمكانيات البشرية والتقنية التي تتوفر عليها، في وضع مجرد فهارس بعناوين مخزونها تتيح للباحثين الإطلاع عليها عن بعد. وعوضا عن ذلك تتحول تلك المواقع في الغالب إلى عمل دعائي منعدم المضمون. وانعكاسات ذلك كبيرة حيث يخسر الباحث، في مختلف ميادين البحث، وقته وماله وجهده، فيتأخر نفعه لغيره. والوضع ليس أحسن حالا بالنسبة للمكتبات الجامعية، وهي في الأصل مكتبات بحث.
هذا الوضع يفتح الجدل واسعا حول السياسات الثقافية في البلدان العربية، هذا إذا جاز لنا إطلاق تسمية "سياسات ثقافية" على ما يفعل بالثقافة في تلك البلدان. إن ضحالة المساهمة العربية في مشروع المكتبة الإنسانية الرقمية لا يعود لقلة الخبرات ولا إلى ضعف الإمكانيات، بل إلى انعدام إرادة سياسية تجعل من الهم الثقافي هما جديا لوزارات الثقافة العربية، فلو خصص لهذا المشروع جزء يسير من الميزانيات التي تنفق على "دعم الأغنية" أو جزء مما ينفق على حفلات الاستقبال الرسمية لكان الأمر كافيا. غير أن المسألة لا تقف عند تخلي المسئولين عن الثقافة في البلدان العربية عن مسؤولياتهم في نشر وتطوير اللغة الأم، ذلك أن الجامعات العربية هي الأخرى لا تقوم بأدنى المطلوب في هذا الشأن. لذلك فإن النتيجة تكاد تكون نفسها حيث ما وليت وجهك: تصحر ثقافي، انعزال متزايد عن حركة الفكر الإنساني، ضعف في المناعة الثقافية للجيل المتعلم وانتشار غير مسبوق للجهل والخرافة.
إن حلم اللحاق بالمجهود المبذول في الفضاءات الثقافية الغالبة اليوم لم يعد غير واقعي فحسب، بل إن المرء يتساءل عن إمكانية المحافظة على رتبتنا الحالية في سلم التخلف العلمي والثقافي والحفاظ على بعض ما تم تحقيقه في العقود الماضية. غير أن إلقاء التبعات على السياسات الرسمية لا يغطي إلا جزءا من المشكلة، ذلك أن الاستقالة من مسؤولية صيانة الثقافة العربية تكاد تصبح سلوكا عاما لدى جانب كبير من الشرائح التي يفترض أن تكون أكثر وعيا من غيرها بخطورة هذه المسألة. وهنا تطرح قضية مساهمة المجتمع الأهلي، أو المدني، في المحافظة على إحدى أهم أسس هويته الثقافية، واعتبار نفسه معنيا أكثر من الجهات الرسمية بهذا الموضوع. ذلك أن المشاريع الغربية في مجال المكتبات الرقمية بدأت كلها بشكل غير رسمي واستندت إلى العمل التطوعي، ولم تتطور إلى الشكل الذي أصبحت عليه اليوم إلا بفضل عملية تراكم طويلة الأمد.
غير أن تطور الاقتصاد الرقمي وانفتاحه على مجالات جديدة يمكن أن يحدث النقلة المطلوبة في مجال الكتاب الرقمي العربي حيث أصبح بإمكان المستثمرين الخاص ولوج عالم الثقافة الرقمية العربية باعتبار الأرباح التي يمكن جنيها من الإطلاع على المخزون الرقمي، حتى لو تعلق الأمر في البداية برقمنة الكتب التراثية المحررة من حقوق التأليف. ليجرب أحدهم ذلك وسيتأكد من الأرباح التي سيجنيها، وسيكون في النهاية قد حقق استثمارا جيدا وساهم (حتى من حيث لا يدري) في "مشروع صيانة الثقافة العربية".
1 commentaire:
Je t'invite à faire un passage sur mon Blog : http://tunisiecoloniale.blogspot.com/
Enregistrer un commentaire